لستٌ مريضًا ولا أحتاج لطبيب! ... د. أحمد الألمعي

كم مرة سمعنا هذ الرد من أقارب لنا هم في أشد الحاجة للمساعدة؟ كم أحسسنا بالحسرة والعجز لأن الشخص الذي أمامنا مريض بمرض طبي أو نفسي بشكل واضح للجميع ولكنه لسبب ما لا يدرك حاجته للعلاج أو يخاف من الابتعاد عن منزله وفقدان أحبته عند ذهابه للمستشفى؟ أو أنه يخاف من المستشفيات والأطباء ويتجنب الوصمة الاجتماعية للمرض خاصة إذا كانت الأعراض نفسية. تتكرر هذه الصورة لنا في أسرنا بشكل يدعو للألم لأن من يحتاج المساعدة هو شخص قريب، عزيز على قلوبنا ولا نستطيع مراقبته يعاني ويذبل كل يوم.

وتزداد هذه الصورة تكرارًا في حياتنا في العقود الأخيرة في المملكة وفي منطقة الخليج بصفة عامة بسبب ازدياد أعداد كبار السن في العقود الثلاثة الماضية نتيجة لتحسن مستوى الرعاية الصحية بفضل الجهود المبذولة من قبل القيادة الحكيمة، والتخطيط على المدى البعيد سواء على مستوى الرعاية العامة أو مستوى الرعاية الصحية المتخصصة والتي نتج عنها إدراج عدد من مستشفيات المملكة ضمن ترتيب أفضل مستشفيات العالم. وأصبح من المألوف أن نسمع عن إنجازات طبية وعمليات معقدة تجرى في ربوع الوطن بأيدي سعودية كانت في الماضي القريب حكرًا على الغرب.

فقبل ثلاثة أو أربعة عقود كان متوسط عمر الفرد في المملكة في أواسط الخمسينات. ومع تحسن الوعي الصحي والرعاية، قفز متوسط عمر الفرد إلى السبعينات وأصبح من الشائع رؤية كبار السن في كثير من الأسر ممن يتمتعون بصحة جيدة. ومع تقدم متوسط عمر الفرد في المملكة، انتشرت أمراض الشيخوخة التي كنا نسمع بها فقط في الغرب؛ مثل الخرف والإكتئاب وكثير من الأمراض الطبية والنفسية الأخرى التي كانت نادرة في مجتمعاتنا. وبرزت لنا معضلات أخرى لا تتعلق بتوفير الرعاية الصحية طبيةً كانت أو نفسية، ولكن بتقبل كبار السن وأحيانا الشباب وأفراد الأسرة للرعاية الطبية. فالبعض منهم يرفض مغادرة المنزل للحصول على الفحص والعلاج كما رأينا أثناء فترة الكورونا، فقد فضل الكثير الابتعاد عن المنشآت الصحية خوفاً من العدوى حتى أن الكثيرين من الناس لم يحصلوا على أي لقاح إلى يومنا هذا.

واتمنى أن تكون الأمور بهذه البساطة فنترك الأمر للشخص المريض، فهو حسب تفكير الكثيرين يعلم ما يحتاجه ولا نستطيع إجباره على العلاج. وقد نصل لهذه القناعة بدون تعب فهي سهلة وتتفق مع التفكير السائد في الأسرة والمجتمع ويجنبنا هذا التفكير اتخاذ قرارات صعبة مثل؛ إجبار شخص كبير السن على الذهاب للمستشفى للعلاج، أو إجباره على أخذ عدد من العقاقير التي لا يستسيغها وقد تسبب له بعض الآثار الجانبية في البداية. وحتى لو اقتنعنا بأن هذ الشخص العزيز قد يكون في حاجة ماسة للعلاج، فقد نواجه صعوبة في إقناع أفراد الأسرة الآخرين الذين لهم دور مهم في إتخاذ مثل هذه القرارات.

ويخسر الأطباء ومقدمو الرعاية المعركة لو حاولوا إجبار المريض والأسرة على العلاج بدعوى" أنا الطبيب وأنا أعرف بمصلحته" فهذا الزمن قد ولَى والحصول على المعلومات أصبح أمرًا سهلًا، وهناك خيارات أخرى مثل استشارة طبيب آخر أو مراجعة شيخ أو معالج شعبي أو حتى مشعوذ يدعي القدرة على علاج جميع الأمراض "بالقرآن".

فمجتمعاتنا المتدينة تميل للوثوق في هذه الأنواع من العلاج لأن المعالج يمارس نوع من التداوي الذي تعود عليه آباؤنا لقرون مضت، وتزداد الثقة في هذ النوع من العلاج عند إضافة الصبغة الدينية عليه والتي لا يمت لها هذا المشعوذ بصلة من قريب أو بعيد. القرار صعب ولكن هناك خيارات منها؛ مناقشة القرار بموضوعية بعيداً عن العواطف والوصمة الاجتماعية بين أفراد الأسرة، والتواصل مع الجهات الصحية المتوفرة والأخذ في الاعتبار أن الأشخاص المرضى قد لا يكون لديهم القدرة على اتخاذ قرارات صحيحة خاصة في سياق مرض مثل الإكتئاب والخرف وغيرها من الأمراض النفسية التي قد لايستطيع أفراد الأسرة التعرف عليها وتتطلب استشارة المختصين.

 

د. أحمد الألمعي

استشاري طب نفسي - أطفال

المملكة العربية السعودية