الفحوصات الوراثية قبل الزواج واجب أم اختيار؟!.... د. هدى عمران

يعد الفحص الطبي قبل الزواج من الأمور التي تتطلب الاهتمام والاعداد المسبق فهو لا يقل أهمية عن توفير المسكن والتحضير لمستلزمات الزفاف. فمن الأهمية بمكان إجراؤه على الرغم من أن البعض من الناس يتجنبون هذا الفحص ويتخذون منه مواقف مسبقة، إلا أنه يضمن حياة صحية وسعيدة لكلا الزوجين.

وتكمن أهميته في الحد من المشاكل الصحية التي قد تظهر بعد الزواج والتي قد تعيق ولادة أبناء أصحاء، كما أنه مهم لكشف الأمراض التي يتوجب علاجها قبل الشروع في الزواج حرصاً على تجنب الاصابة بالعدوى.

 ويشمل الفحص الطبي العام قبل الزواج فحوصات مختلفة كفحوصات أمراض الدم الوراثية (فقر الدم المنجلي والثلاسيميا)  وغير الوراثية (الالتهاب الكبدي الفيروسي ب, الالتهاب الكبد الفيروسي ج، نقص المناعة المكتسب (الإيدز) التي من الممكن أن تنتقل إلى الأبناء  أو حتى إلى أحد الزوجين عن طريق الآخر. وننصح المقبلين على الزواج بإجراء الفحص الطبي قبل موعد الزواج بمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ليتسنى للزوجين التخطيط لحياتهم بشكل أفضل.

 إن التقدم العامي الهائل في علوم الجينات فتح الباب على مصراعيه لمساعدة المقبلين على الزواج للكشف عن العديد من الأمراض الوراثية. وعلى الرغم من ارتفاع تكلفة بعض الفحوصات الوراثية إلا إنها ضرورية خصوصًا عند وجود أمراض مميتة أو مزمنة لدى أكثر من فرد في العائلة فمن الضروري أخذ الوقت الكافي لاجراء هذه الفحوصات للتعرف على طبيعة هذه الأمراض والتمييز بين الأمراض المزمنة الوراثية وغير الوراثية واحتمالية انتقالها للأطفال في المستقبل.

 وتنطوي الاختبارات الجينية على فحص الحمض النووي DNA، وهو قاعدة البيانات الأساسية التي تحمل تعليمات وظائف الجسم. ولدى كل شخص جينوم خاص به يميزه عن بقية أفراد أسرته، ويمكن أن يحمل في تسلله نوعًا أو أكثر من المورثات الخطيرة مثل التليف الكيسي "سيستيك فابروزيس Cystic fibrosis ومرض ضمور العضلات الشوكي Spinal Muscular Atrophy - SMA ومتلازمة كروموسوم إكس الهش Fragile x syndrome.

إن الأمراض الوراثية المنتشرة في عالمنا العربي لا يمكن حصرها وذلك لقلة الدراسات العلمية الموثقة عن هذه الأمراض. كما أن نسبة انتشار هذه الأمراض تختلف من دولة لأخرى. ولكن يمكن تقسيمها بصورة عامة حسب الجهاز المصاب إلى أمراض الدم الوراثية مثال فقر الدم المنجلي وفقر دم البحرالمتوسط، وأمراض التمثيل الغذائي المعروفة بالأمراض الإستقلابية، وأمراض الجهاز العصبي كمرض ضمور العضلات باختلاف أنواعها وضمور المخ، وأمراض الغدد الصماء خاصة أمراض الغدة الكظرية والغدة الدرقية. ومعظم هذه الأمراض تنتقل بالوراثة المتنحية والتي يلعب زواج الأقارب فيها دورًا كبيرًا في زيادة أعدادها.

إن دقة هذه الاجراءات تتطلب تعاونًا من قبل الأسر مع الطبيب المختص بهذه الأمراض لتحديد نوع الفحص وآلية تنفيذه، فهناك فحوصات الكروموسومات (الصبغيات) التي تكشف اختلال الكرموسومات كمتلازمة كلاينفلتر. وفحوصات الطفرات وفحوصات تسلسل الحمض النووي ويتفرع ليشمل الأمراض السائدة والمتنحية، الأمراض المرتبطة بالجنس السائدة والمتنحية.

وهنا لابد من التأكيد على حقيقة مهمة وهي إنه لا يوجد فحص طبي واحد  يكشف عن جميع الأمراض الوراثية المحتملة في الذرية كما إن الاستشارة الطبية الوراثية تسهم في تحديد هذه الفحوصات مما يختصر الوقت والكلفة، وغالبًا ما يحتاج الطبيب المختص لمدة تتراوح بين 3 - 6 أشهر للتأكد من وجود بعض الطفرات الوراثية أو عدمه.

إن علاج الأمراض الوراثية غالبًا ما يكون مكلفًا ويشكل عبئًا كبيرًا على الأسرة والمجتمع، لذا فإن الاستشارة الوراثية وإجراء المسح الوراثي  الدقيق ضمن فحص ما قبل الزواج سوف يسهم في منع انتقال هذه الأمراض إلى أجيال المستقبل، الأمر الذي يؤدي إلى توفير التكلفة المادية على الأسرة والمجتمع ويسهم في نشر الوعي بمفهوم الزواج الصحي.

 

د. هدى عمران

أخصائية علم الوراثة الجزيئي