لوجستيات طبية الطائرات المسيرة (الدرونز) في مجال الرعاية الصحية .... حسين الشيخ

بتعريف مبسط قطاع اللوجستيات يُعنى بنقل المواد والمعلومات والطاقة وحتى البشر من نقطة إلى أخرى بسلاسة وفي الوقت المناسب. نقل الأدوية واللقاحات وعينات الدم في المناطق النائية يمثل تحديا لوجستيًا، وبالمثل حتى النقل في زحام المناطق الحضرية قد يؤثر على سرعة الإستجابة في الحالات الطارئة. لهذا استخدام الطائرات بدون طيار (الدرونز) يمثل طريقة مبتكرة لنقل المواد الطبية عبر التضاريس الصعبة والمناطق المزدحمة.

استخدام الطائرات التقليدية والمروحية ليس وليد اليوم في المجال الصحي، لكن تشغيل هذه المعدات الثقيلة مقيد بتوفر خبرات معينة ومنشئات مكلفة للانطلاق والهبوط على عكس الدرونز التي غالبا ما تكون صغيرة الحجم وذات كلفة تشغيلية أقل حيث أن فردًا واحدًا بإمكانه التحكم بطائرات مسيرة متعددة. وإذا وضعنا في عين الاعتبار أن الملايين من العينات والأدوية الطبية خفيفة الوزن يتم توصيلها عبر المركبات البرية التقليدية بين المستشفيات والمختبرات والصيدليات فإن الطائرات المسيرة تعد خيار نقل جذاب. تشير التقديرات أن سرعة النقل البري في مناطق أوروبا الحضرية مثل لندن أقل من 30 كم\ساعة.

أغلب التجارب الأولية لاستخدام الطائرات المسيرة تمت في دول أفريقية لثلاثة أسباب رئيسية أولها عدم توفر شبكات طرق فعالة لعمليات النقل الطبية مما نتج عن حالة ملحة لإيجاد طرق نقل مبتكرة لتقديم الخدمات الطبية للمحتاجين في هذه المناطق. وثانيها عدم ازدحام مجالها الجوي بالطائرات التقليدية مما يقلل فرص حدوث حوادث بين الطائرات التقليدية خلال المراحل التجريبية للطائرات المسيرة. وثالثها أن قوانين الطيران في الدول النامية تميل لأن تكون أقل صرامة من الدول الأخرى.

كما هو معلوم، لا تتجاوز مدة تخزين الدم ومشتقاته أيامًا معدودة إلى مدة أقصاها شهر واحد فقط وبعدها تصبح غير صالحة للاستخدام. في رواندا حيث يعيش 83 % من السكان في مناطق ريفية نائية عن المدن ونظرًا لطبيعة البلد الجبلية وجوها الحار وطرقها الوعرة، عمدت المراكز الصحية في الأرياف إلى طلب كميات كبيرة من الدم من بنوك الدم في البلاد للتغلب على التحدي اللوجستي المتثمل في صعوبة النقل البري للدم فوريًا عند الحاجة لصعوبة التكهن بتوقيت العوارض الصحية كالحوادث المرورية وحالات الولادة ونوبات فقر الدم مما أدى إلى التحرز في تخزين كميات أدت إلى تكدس الدم وفساده وبالتالي التخلص منه دون فائدة.

 

 

في عام 2016 تعاقدت حكومة رواندا مع شركة أمريكية ناشئة لتشغيل الطائرات المسيرة لنقل الدم من بنوك الدم المركزية إلى الأرياف، وبحلول عام 2021 أصبح المشروع قادرًا على استيعاب 1000 عملية نقل دم يوميًا من بنكي الدم المركزيين في البلاد إلى المراكز المحتاجة حيث يتم توصيل الدم إلى نقطة الاستهلاك عبر الإنزال المظلي مغلفا في صندوق عازل للحرارة. في مسح شمل 13,000 رحلة نقل دم عبر الطائرات المسيرة تم التوصل إلى أن نصف الرحلات استهلكت 41 دقيقة أو أقل للوصول للمريض المحتاج مقارنة بساعتين على الأقل للتوصيل البري كما انحفضت كميات الدم المهدور.

في إيرلندا تم استخدام الطائرات المسيرة لتوصيل الأدوية للمرضى في البيوت كوسيلة لعدم كسر حظر التجوال خلال جائحة كورونا أما في دول أوروبية أخرى تم استخدام الدرونز لتطهير المحلات العامة كالملاعب والمسارح والمجمعات التجارية عبر رش المعقمات من الجو.

وفي استخدام أكثر تقدمًا تم استخدام الطائرات المسيرة كوسيلة للتطبيب عن بعد عن طريق تزويدها بحساسات لدرجة الحرارة ونبضات القلب ومعدل التنفس إضافة إلى تواصل مرئي بين الطبيب والمريض. كما يعكف المطورون على تطوير طائرات مسيرة قادرة على التواصل ومحاكاة وتنفيذ أوامر الطبيب الجراح لإجراء عمليات جراحية عن بعد وهذا من شأنه أن يغير المشهد اللوجستي للعناية الطبية بأكمله حيث سيمكن لطبيب في الغرب أن يعالج مريضًا في الشرق دون تكلف عناء السفر لمريض تشق عليه الحركة وسيمكن الطبيب من الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المرضى المحتاجين لخبرته بحواجز زمانية ومكانية أقل.

رغم كل مميزات الطائرات المسيرة لكن استخدامها في المجال المدني لا يزال في بدايته حيث أن التشريعات التي تنظم حركة الطائرات المسيرة ليست تامة بعد، وهناك عدد من الاعتبارات التي تبطئ تبني هذه التقنية بشكل كامل مثل مشاركتها للمجال الجوي مع طائرات نقل الركاب ومدى قدرة الذكاء الإصطناعي للطائرة المسيرة على اكتشاف العقبات وتجاوزها مثل المباني والأسلاك المعلقة وغيرها.

وقد تبدو فكرة اجراء العمليات الجراحية عن طريق (الدرون) خيالًا علميًا، لكن العمل على تحسينات عملية أكثر يجري على قدم وساق، وفي بلد مثل أندونيسيا - المتكونة من 17,508 جزيرة - فإن للقارئ أن يتصور كم العقبات اللوجستيات الواقعية التي يمكن تخطيها عبر استعمال الدرونز كوسيلة لنقل المواد الطبية فقط.

 

 

حسين الشيخ

متخصص في اللوجستيات