العديدُ منا ربما قد يتخطى إحدى الوجبات، أو يمتنع عن تناول الطّعام لسبب أو لآخر. لكن، هل تساءلتم يومًا عما يحدث للدماغ عندما نمتنع عن الطّعام؟
في دراسة منشورة في الموقع الأمريكي "حقائق الدماغ"
يكشف مارك ماتسون، عالم الأعصاب في المعهد الوطني للشيخوخة والأستاذ بجامعة جونز هوبكنز، عن فوائد الصيام للدماغ.
أثبت العلماء أنّ الامتناع عن تناول الطعام لفترة طويلة يؤدي لرفع مستويات مركبات تُسمى الكيتونات. كما هو معروف في حالة التغذية - أي عندما لا نكون صائمين - يكون الجلوكوز هو الوقود الأساسي الذي تستخدمه الخلايا، بما في ذلك الخلايا العصبية. بينما يستنفد الصيام مخزون الكبد من الجلوكوز، مما يدفع الخلايا الدهنية لإفراز الدهون، وبدورها تنتقل إلى الكبد حيث تتحول إلى كيتونات، وهي عبارة عن قطع صغيرة من الدهون يمكن للخلايا استخدامها كمصدر للطاقة.
هناك أنواع مختلفة من أنظمة الصيام، وبالنسبة للدراسة التي تم إجراؤها على الفئران في العام 2017م ، فإنّ النظام الرئيسي الذي تم استخدامه هو صيام يوم بديل. حيث لا يقدم طعام للفئران قيد الدراسة لمدة 24 ساعة، تليها فترة 24 ساعة يتم فيها تناول الطعام، وهكذا. ولكن ماذا يحدث للدماغ والجسم عندما يصوم الحيوان؟
بالنسبة للحيوانات المفترسة مثل الذئاب، إذا لم تصطد أية فريسة في غضون أسبوعين، خلال ذلك الوقت، تعمل أجسامها إلى حد كبير بالاعتماد على الكيتونات بدلًا من الجلوكوز. من الواضح أنّ الدماغ والجسم يكونان قادرين على العمل بشكل جيد في فترة الصيام هذه. وهذا ما تمت ملاحظته على حيوانات المختبر، أنّ الدماغ والجسم في الواقع يقدمان أداءً أفضل أثناء الصيام. بالنسبة للدماغ، لوحظ نمو وزيادة الوظائف المعرفية، التعلم، الذاكرة، والانتباه في فترة الصيام. أما الجسم، فقد وجد الباحثون أنّ الفئران التي تتبع نظامًا غذائيًا بصيام يوم بديل لديها قدرة بدنية أفضل من الفئران التي تتغذى كل يوم. وهذا ما قاد إلى استنتاج أنّ الصيام المتقطع قد عزّز الأداء البدني للفئران.
وبذلك فإنّ الصيام يمكن أن يعزز وظائف الدماغ عن طريق زيادة مستويات البروتين الذي يعزز نمو الخلايا العصبية.
كما تناولت الدراسة على نطاق واسع كيف يمكن للصيام أن يعزز مستويات الطاقة في الخلايا العصبية، ويساعد الدماغ على مقاومة الأمراض. وقد أشارت البحوث السابقة إلى أن الصيام يمثل تحديًا للدماغ يؤدي إلى إطلاق مواد كيميائية تعزز كفاءة ونمو الخلايا العصبية. وفي البحث الجديد، تم تسليط الضوء على تغيير كيميائي معين من المحتمل أن يمنح الخلايا العصبية مزيدًا من الطاقة ويعزز الروابط مع الخلايا العصبية الأخرى. قد تنبع الفوائد المعرفية للصيام من زيادة عدد "الميتوكندريا" في الخلايا العصبية الناتجة، وهذه الزيادة تعزز قدرة الخلايا على تكوين نقاط الاشتباك العصبي والحفاظ عليها، وبالتالي زيادة القدرة على التعلم والذاكرة. على الرغم من أن هذه النتائج واعدة في الفئران، إلا أنه هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد ما إذا كان الصيام يمكن أن يقدم فوائد مماثلة للدماغ البشري.
ولابد أن نشير هنا إلى الدراسات التي أجريت بعد العام 2017م، وأسفرت عن نتائج مفادها أنّ دماغ الإنسان، وبما في ذلك الأشخاص ذوي صعوبات التعلم قابل للتطور والتغير ما دمنا لم نتوقف عن التفكير، فلا نستبعد أن يكون تأثير الصيام على أدمغة البشر مشابهًا لتأثيره على الحيوانات، بالإضافة لفوائده الجلية لأجسامنا.
ريحانة حبيل
اختصاصية صعوبات تعلم
عضو المختبر الابداعي