الحرائك الدوائية بمعاييرها الأربع (الامتصاص، التوزيع، الاستقلاب، الطرح) تشكل إحدى الأعمدة الأساسية في اختيار خصائص الدواء عامة من طرق التوصيل، الجرعات، المراقبة وغيرها .
وبشكل مغاير لدى البالغين - الذين يتصفون بالاستقرار بطابعهم - فإن هذه المعايير تتغير عند الأطفال بمعدلات مختلفة من حديثي الولادة إلى سن البلوغ .
ويطلق اسم (علم الدواء التطويري) على كل ما يُعنى بالدراسات المتغيرة لهذه المعايير.
أولًا: امتصاص الدواء:
يوصف امتصاص الدواء بالأكثر حدة ويشهد تغيرًا واضحًا خلال السنة الأولى من عمر الطفل على اختلاف طرائق إعطاء الدواء ككل .
- امتصاص الدواء عبر الجهاز الهضمي:
الامتصاص عبر الجهاز الهضمي يتأثر بمؤثرات عدة وكلها على حد سواء تعتمد على الفئة العمرية هذه المؤثرات هي :
1 -الرقم الهيدروجيني للمعدة:
يقترب هذا الرقم من التعادل عندما نتحدث عن حديثي الولادة، يعود السبب في ذلك إلى نقصان إنتاج حمض المعدة وحجم إفرازاتها ونتيجة لذلك فإننا نلاحظ زيادة في التوافر الحيوي للأدوية التي تتصف بسهولة تدميرها في الوسط الحامضي بالمقارنة مع الأعمار الأكبر سنًا.
وبشكل معاكس فإننا نلحظ بأن الأدوية ضعيفة الحمض كالفينيتوين والفينوباربيتال لا تُمتص بشكل جيد، الأمر الذي يتطلب إعطاء جرعة أكبر للحصول على نفس الفعالية .
- يرتفع إنتاج الحمض بعد الولادة لكنه لا يصل إلى القيمة المكافئة عند البالغين إلا عند العام الثاني والثالث من العمر .
2-التفريغ المعدي المطول وحركة الأمعاء:
تتحسن الانبساطات والانقباضات للأمعاء بشكل بطيء خلال الثمان الشهور الأولى من عمر الطفل، الأمر الذي ينعكس على امتصاص الدواء بشكل طردي وضعيف خلال هذه الفترة مما يؤثر على جرعة الدواء المحسوبة عندها .
ونرى هذا التأثير بشكل أكبر على الأطفال الخُدّج، فعند إعطاء دواء الأسيتومينوفين - على سبيل المثال - فإن تركيز الدواء في مصل الدم يصل إلى الحد الأقصى بعد ساعتين، أي بمعدل تأخير ساعتين عند المقارنة بالأطفال الأكبر عمرًا.
3- أملاح المرارة وإنتاج إنزيمات البنكرياس :
إن معدل تصنيع أملاح المرارة عند الخُدّج وحديثي الولادة يبلغ 50 % من التصنيع لدى البالغين، كذلك الأمر بالنسبة لإنتاجية إنزيمات البنكرياس، وهذا بدوره ينعكس على امتصاص الأدوية والفيتامينات الذائبة في الدهون .
إن التوافر الحيوي للفيتامين دال - كمثال - يصل إلى 30 % بالمقارنة عند البالغين الذي يشكل 70 % ، إذن نتحدث عن فرق كبير هنا .
4 - عوامل أخرى :
مثل انخفاض تدفق الدم الحشوي في الشهر الأول من عمر الطفل بالإضافة إلى انخفاض نشاط إنزيمات الأيض المعوية مما يؤثر على ظاهرة المرور الأولي، كذلك الافتقار إلى وجود البكتيريا النافعة عند حديثي الولادة.
ب - الامتصاص عبر الجلد:
يعتبر الامتصاص عبر الجلد عند حديثي الولادة واليافعين معززًا أكثر مقارنة بالأشخاص البالغين، الأمر الذي يستدعي أخذ الحيطة والحذر للأعمار الأصغر سنًا، مما يجعل الوصول إلى الجرعات السمية للدواء أسهل وأسرع .
ومن الأمثلة الدالة على ذلك؛ تطبيق متكرر لكريم من الهيدروكورتيزون بشكل موضعي لعلاج حالة أكزيما - مثلا - لمدة أسبوعين ينتج عنه تثبيط في وظيفة الغدة الكظرية كأثر سلبي عند حديثي الولادة والرضع .
ما سبق ما هو إلا شرح مبسط يجعلنا نلقي نظرة أكثر دقة حول الجرعات وطرق استخدام الدواء السليمة والمناسبة فيما يتعلق بالرضع وحديثي الولادة وبشكل يراعي تراكيز الدواء الفعلية المستفادة والتخفيف من الضرر الملحق على هذه الفئة تحديدًا، مما يستدعي الالتزام بالجرعات والتعليمات المذكورة بشكل دقيق وبوعي ومسؤولية.
دعاء ناصر بشناق
صيدلانية