أثر الإجهاد والتغيرات النفسية على صحة الجهاز الهضمي 01 .. ريده الحبيب

لقد بات جليّاً في ظل تطورات الحياة وتسارع وتيرتها إن الإنسان يحارب الوقت علّه يظفر بنهاية مبتغاه الذي لا ينتهي ما بين مهام وظيفية وساعات عمل طويلة ومتطلبات العائلة، والتقنيات ووسائل الترفيه، ومتغيرات الطعام بمختلف أصنافها وأشكالها.

كلها تركت أثر على الحالة النفسية، ولا يخفى على أحد أن للعامل النفسي أو العاطفي تأثير على أي عضو في جسم الإنسان بشكل مباشر وغير مباشر، ومن أهم أمثلتها (الجهاز الهضمي).

 

علاقة الجهاز الهضمي بالجهاز العصبي

الجهاز الهضمي مدعوم بشبكة ألياف عصبية وهيئة خلايا عصبية تسمى بـ (الضفيرة العضلية المعوية) وترتبط مباشرة بالدماغ، ومن هنا جاء الرابط المباشر والتأثير فيما بينهما عن طريق السيالات العصبية التي يرسلها الدماغ إلى الجهاز الهضمي وبعض الهرمونات والسيتوكينات التي يفرزها الدماغ.

ومن جهة أخرى، فإن الجهاز الهضمي يحتوي على نظام معقّد من ملايين البكتيريا خصوصاً الأغشية المبطّنة للأمعاء، منشئة نظاماً بيئياً متناهي الصغر يسمى "الميكروبيوم" والذي أثبت العلم الحديث دوره الهام في الحفاظ على صحة الإنسان واكتشاف تأثيره على الحالة المزاجية للإنسان مؤخراً.

وفي دراسة نشرتها دورية "نيتشر ميكروبيولوجي" أن هنالك نوعين من البكتيريا المكورة البرازية و"دياليستر" تلعبان دوراً بارزاً في جودة الحياة النفسية. كما تم اكتشاف أن من يعانون من حالات الاكتئاب لا يتوفر لديهم هذان النوعان من البكتيريا والتي تعتبر مضادة للإلتهاب.

ومن جملة ما قد يعاني منه الناس "الإجهاد" والذي يعتبر تهديد حاد للتوازن، وتأثيره قد يكون قصير وطويل الأمد على الصحة عامة وعلى الجهاز الهضمي خاصة. لذا فإنه يمكن للإجهاد أن يؤثر على التواصل ما بين الدماغ والأمعاء، وقد يؤدي إلى الشعور بالألم والإنتفاخ وعدم الارتياح في الأمعاء والمعدة، كما يمكن للبكتيريا الساكنة في الأمعاء أن تؤثر عليها وعلى الدماغ فيتأثر التفكير وطبيعة العواطف سلباً وإيجاباً.

أعدّ باحثون في جامعة فرجينيا في العام 2015م دراسة استهدفت "فهم تأثير البكتيريا على المرض العقلي" وتبيّن أن بكتيريا الجهاز الهضمي تتفاعل مع الدماغ البشري من خلال "العصب الحائر" والذي يؤدّي دوراً هاماً في مقاومة الانتكاسات المتعلقة بحالات الاكتئاب.

تقول الدراسة الحديثة: (إن ثمة تأثيراً متبادلاً بين ميكروبات الأمعاء البشرية والنظام العصبي المركزي، فكما تؤثّر الأوامر الصادرة من الدماغ على سائر الجسم، يؤثّر ميكروبيوم الأمعاء على العمليات العصبية في الدماغ، ما ينجم عنه تأثير في السلوك المرتبط بكيمياء المخ، كما يؤثر على آلية النفاذية التي يتمتع بها الحائل الدموي الدماغي الذي يوفّر الحماية القصوى لمنع نفاذية مواد كيميائية غريبة للمخ، إلاّ أنه يسمح بمرور بعض الجزيئات الدهنية والمعادن التي يستعين فيها المخ في تنظيم الإشارات العصبية).

وقد وجد أن بعض تلك المركبات تتأثر بعملية التمثيل الغذائي "الميكروبيوم" والتي تشمل أحد أهم مخرجاتها مجموعة من الأحماض الدهنية الدقيقة ذات القدرة على النفاذ من الحائل الدموي الدماغي، والتي تمتاز بفعاليتها ضد الالتهابات التي يمكن أن تحدث في أعصاب الدماغ.

وفي الحقيقة، فإن تلك الأحماض لها دور فاعل في تنظيم إفراز هرمونات الدماغ، فحين تتشبع بها العصبونات، فإن ذلك يساعد على إفراز مجموعة من الهرمونات من ضمنها هرمون "السيروتونين" والملقب بـ "هرمون السعادة"، والذي يؤدي إفرازه إلى الشعور بالسلام والطمأنينة النفسية والارتياح الداخلي، وقد لوحظ أن أي خلل في مستواه فهو يسبب التعب والضيق النفسي والدخول في مشاكل مع الآخرين، كما ويؤثّر على الصحة الجسدية مثل الشعور بثقل الذراعين أو الساقين والنوم لفترات طويلة واضطرابات الشهية وزيادة الوزن.

وفي دراسة أخرى نشرت في العام 2018م عن "أثر الضغوط النفسية على الجسم" تقول: في حال الضغوط والتحديات الصعبة، يحدث زيادة في إنتاج هرمونات الستيرويد المسمّاه بـ الجلوكوكورتيكويد – Glucocoorticoids والتي تشمل الكورتيزول  Cortisolأو ما يسمى بـ "هرمون التوتر".

هرمون التوتر هام في تنظيم الجهاز المناعي وتقليل الالتهابات، ولوحظ أنه في المواقف العصيبة يزداد نشاط الجهاز المناعي، إلا أنه في حالات "الإجهاد المزمن" يمكن أن يؤدّي إلى ضعف الاتصال ما بين الجهاز المناعي ومحور الغدة النخامية الكظرية (HPA). وإن ضعف الاتصال له علاقة بتطور حالات الصحة البدنية والنفسية بما في ذلك التعب المزمن واضطرابات التمثيل الغذائي "السكري والسمنة والاكتئاب والاضطرابات المناعية".

 

ريده الحبيب

أخصائية تغذية علاجية ورياضية

المملكة العربية السعودية