نوبل في الطب لعالمَين اكتشافا بيولوجيا الحواسّ

حصَد جائزةَ نوبل في الطب أو علم وظائف الأعضاء (الفسيولوجيا) لهذا العام عالمان اكتشفا الأساس الجزيئي لقدرتنا على استشعار الحرارة واللمس.

ديفيد جوليوس، عالِم الفسيولوجيا من جامعة كاليفورنيا في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، استعان بمركَّب الكابسيسين، الذي يُكسِب الفلفل مذاقه الحار، بهدف التوصُل إلى بروتين، أُطلِق عليه اسم  TRPV1، وهو بروتين يتأثر بدرجات الحرارة المسببة للألم. أما آردِم باتابوتيان، عالم البيولوجيا الجزيئية من معهد سكريبس للأبحاث، ومقرُّه ضاحية لاهويا بولاية كاليفورنيا الأمريكية، فقد تمكَّن من التعرُّف على مستقبلات تستجيب لعوامل ميكانيكية (مثل الضغط واللمس) في الجلد وغيره من أعضاء الجسم.

 

وهذه النتائج التي تمخضت عنها أبحاث العالمَين أدت إلى فك شفرة الآليات الأساسية التي تقوم عليها بيولوجيا الحواس. وفضلًا عن ذلك، فإن لها تطبيقات محتملة في المجال الطبي؛ إذ يسعى الباحثون في وقتنا الحالي إلى العثور على مركَّبات قادرة على استهداف بعض البروتينات التي اكتشفها جوليوس وباتابوتيان، كوسيلة لعلاج الألم المزمن.

أُعلنت الجائزة بعد دقائق من انتصاف الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، بتوقيت ولاية كاليفورنيا الأمريكية. وقد وجد أعضاء لجنة جائزة نوبل صعوبة في الوصول إلى العالمَين الفائزَين، حسبما أفاد توماس بيرلمان، الأمين العام للجنة، الذي أضاف قائلًا إنه "بمساعدة والد أحدهما، وزوجة شقيق الآخر"، أمكن الوصول إليهما، وإجراء مكالمتين سريعتين معهما قُبيل الإعلان عن الجائزة. وفي التصريح الذي أدلى به بيرلمان للصحفيين، قال: "لقد استقبلا الخبر بسعادة غامرة، ويمكنني القول إنهما تفاجآ به مفاجأة كبيرة".

 

الاقتراب من فهم الحواس

بفضل الاكتشافات العلمية التي يقف وراءها العالِمان، كُشف النقاب عن الصلات بالغة الأهمية التي تربط ما بين المؤثرات الحسية الخارجية (مثل الحرارة واللمس)، والإشارات الكهربية الموجِّهة لاستجابات الجهاز العصبي.

كان من المعروف، مثلًا، أن مركَّب الكابسيسين يستحث استجابات عصبية تُترجَم إلى شعورٍ بالألم، ولكن لم تُعرف آلية حدوث ذلك. وفي تسعينيات القرن الماضي، عكف جوليوس وزملاؤه على البحث عن الجينات التي تُستثار عند الشعور بالألم، أو الحرارة، أو اللمس، سعيًا إلى الوقوف على الجين الذي يستجيب لمادة الكابسيسين. قادهم البحث إلى الجين الذي يعمل على ترميز البروتين المسمَّى  TRPV1، وهو البروتين المسؤول عن شق قناة في أغشية الخليَّة، ما إنْ تُنشَّط، حتى تسمح للأيونات بالنفاذ من خلالها إلى داخل الخلية.

وفي الأثناء، انكبَّ باتابوتيان وفريقه على البحث عن الجزيئات التي تَنشَط بفعل القوى الميكانيكية. وبدراسة نسيج خلوي مستزرَع في طبقٍ مَخبري، استطاع الباحثون التعرُّف على خلايا مستزرَعة تُطلِق إشارة كهربية عند تحفيزها، وتتلقَّف الجينات التي من شأنها التحكُّم في هذه الاستجابة. أسفرت هذه الدراسة عن اكتشاف قناتين أخريين من القنوات الأيونية، أُطلِق عليها «بيزو1» Piezo1، و«بيزو2» Piezo2، وهما تَنشَطان بفعل الضغط.

كما استخدم العالمان – كلًّا على حدة – مركَّب المِنثول (menthol)، وهو مركَّب كيميائي يعطي إحساسًا بالبرودة، لدراسة كيفية استجابة الخلايا لدرجات الحرارة المنخفضة. وأثمرت جهودهما البحثية في هذا الصدد اكتشاف قناة أخرى، تُدعى قناة  TRPM8، التي تَنشَط بالبرودة.