الاكتئاب الوجه المظلم للحياة... حسين آل ناصر

  أفقد الاستمتاع، يسكنني الحزن، يائس، أريد أن أنام، كل الأشياء من حولي سيئة، لا طعم للحياة، أنا السبب في كل الضرر الذي حل بعائلتي وعملي ومن الأفضل لي أن أبتعد عن الناس وأغادر الحياة.

تلك شكاوى - التي يألفها المختصون النفسيون في عياداتهم - تترجم جراح بعض مرضى الاكتئاب ومعاناتهم، وتحكي آلامهم وشعورهم الداخلي وكأنهم يقولون "لقد كتب علينا الشقاء ولا أمل من ذواتنا ولا عالمنا ولا مستقبلنا" .

وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية يشخص الاكتئاب عند توفر خمسة محاور مما يلي خلال أسبوعين مع تأثر في الأداء العام للمريض:

  • مزاج مكتئب في معظم الأوقات وبشكل يومي تقريبًا.
  • تدنٍ واضح في مستوى المتعة والرغبة في الأنشطة أو الأشياء.
  • ضعف مستوى الشهية وانخفاض أو زيادة واضحة في الوزن.
  • اضطراب في وظيفة النوم.
  • الشعور بالتوتر والبطء والتثاقل في الحركة وفقدان الطاقة بشكل ملاحظ.
  • الإحساس السلبي تجاه الذات ووجود مشاعر بالذنب غير مبررة.
  • عدم القدرة على التركيز واتخاذ القرارات بشكل طبيعي مقارنة بالأوقات الأخرى.
  • وجود أفكار أو محاولات انتحارية.

أجرى العلماء دراسات كثيرة في محاولة لفهم أسباب الاكتئاب بشكل أعمق، وقد وجدوا أن العوامل الوراثية تلعب دورًا متوسطًا فيه، كما أرجعوه لخلل وظيفي في منظومة النواقل العصبية كالسيروتونين والدوبامين.

من جانب آخر وجد العلماء أن أسباب الاكتئاب معظمها ناتجة عن اليأس ولذا يميل المرضى للحزن والانتحار، وقد قدمت نظرية الاجترار إضافة نظرية مهمة أخرى غير نموذج اليأس مفادها أن المكتئبين يميلون للشعور بالندم واجترار الأفكار السلبية.

يحسن العلاج الدوائي من أعراض الاكتئاب لكنه لن يكفي وحده من دون تقديم أشكال مختلفة من العلاج النفسي.

وقد وجدت دراسات متعددة أن استخدام تقنية إعادة البناء المعرفي فعّال مع هؤلاء المرضى، وتعتمد هذه التقنية على تحديد أنماط التفكير السلبية في سياق مواقف متعددة، بالإضافة لمتابعة تكرار هذه الأنماط من أجل تحديدها بدقة وهنا نسميها "تشويهات معرفية" منها على سبيل المثال التعميم، الترشيح والتركيز على السلبيات وتجاهل الإيجابيات والتقليل من شأنها، بالإضافة للشخصنة وليس انتهاء بالتضخيم والتهويل. بعد ذلك يتم مناقشة الأدلة على هذه الأفكار مع الأدلة المناهضة لها من أجل الخروج بصورة متوازنة ومعتدلة.

ولأن المكتئب يهمل واجباته والتزاماته بل ويغادر الجماليات التي كان يستمتع بها عادة قبل الاكتئاب، يقوم المعالج بتدريبه على "التنشيط السلوكي" بهدف خفض الاكتئاب من خلال الانخراط في أنشطة ممتعة مع القيام بالمسؤوليات والنهوض مجددًا، ومن المهم هنا تسجيل درجة الاكتئاب قبل النشاط وبعده من أجل قياس درجة التحسن.

ورغم التقدم في علاج الاكتئاب وانخفاض الأعراض السلبية يبقى المريض قلقًا بشأن عودة الأعراض والمحافظة على مكاسب العلاج.

يبذل المعالجون قصارى جهدهم خلال الجلسات وسير العلاج، من أجل التأكد من ضمان سير الخدمة النفسية بخطوات منهجية وخطى موضوعية، وذلك الجهد كله قد يضيع إن لم يعزز بجلسات تهدف لمنع الانتكاسة.

ولذا فإن هناك علاجات تسهم في خفض الاكتئاب ومنع الانتكاسة كذلك ومنها على سبيل المثال العلاج النفسي بين الشخصي الذي يرى الاكتئاب حصيلة مشكلات بين شخصية، والهدف من العلاج هنا تدريب المريض على التواصل والتعبير عن المشكلات وحلها.

وبشكل واعد في العلاج، يقدم العلاج المعرفي القائم على الوعي نظرته حول الاكتئاب ويوجه المرضى بالنظر لأفكارهم على أنها أحداث عقلية فحسب وليست انعكاسات للواقع.

يشكل الاكتئاب عبئا نفسيًا واجتماعيًا ثقيلا على أصحابه، فهو ليس مجرد حزن كما يظن كثيرون، أو مزاج عابر كما يتوهم آخرون، إنه حصيلة تغيرات عصبية وعوامل حياتية كالضغوط الممتدة والطلاق والوفاة، كما أنه حصيلة صراعات ومشكلات زوجية واجتماعية، وعلينا النظر له من هذا المنطلق بنظرة شمولية موضوعية من أجل مساعدة المرضى للنهوض والعودة من جديد.

 

 

حسين محمد علي آل ناصر

أخصائي نفسي إكلينيكي أول

المملكة العربية السعودية