سمو الأمير احتضن المرضى ورسم خارطة الطريق إلى الصحة... د. شيخة العريض

افتقد الوطن في نوفمبر الجاري باني البحرين الحديثة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء رحمه الله، وبهذه المناسبة الحزينة، يتقدم مجلس إدارة الجمعية الأهلية لأمراض الدم الوراثية في البحرين وأعضاؤها إلى قيادة مملكة البحرين وشعبها الكريم بأحر التعازي، داعين الله أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم ذويه الصبر والسلوان.

آثار الفقيد التنموية وخصوصًا في القطاع الصحي واضحة، وكذلك اهتمامه الكبير بأمراض الدم الوراثية منذ بداية تكوين الجمعية في التسعينات من القرن الماضي فوجّه رحمه الله وزارة الصحة بتأسيس لجنة مكافحة الأمراض الوراثية وقد تشرفتُ برئاستها وضمت جمع من الأطباء والمختصين في المجال ووضعت اللجنة تصورات ومحاور لتطبيقها لمعالجة هذا الملف.

يعد ملف مرضى فقر الدم المنجلي "السكلر" أحد أهم الملفات التي توليها الحكومة برئاسة سموه اهتمامًا خاصًا، باعتباره قضية إنسانية في المقام الأول تؤثر على شريحة من المواطنين. ومن هذا المنطلق بذلت الحكومة ولازالت، جهودًا متواصلة من أجل ضمان توفير أفضل سبل الرعاية الصحية والاجتماعية لمرضى السكلر، عبر العديد من الخطوات التنفيذية التي اتخذتها لتعزيز منظومة الرعاية المتكاملة بزيادة المرافق الصحية المتخصصة في علاج أمراض الدم الوراثية وتوفير العلاج اللازم والكوادر المؤهلة، فضلًا عن وضع العديد من الآليات والبرامج التوعوية للحد من انتشار المرض والقضاء عليه.

كما دأبت وزارة الصحة على استضافة الخبراء العالميين في علاج مرض السكلر حيث استضافت في شهر ديسمبر 2012 الخبير العالمي في مجال السكلر جراهام سرجنت، بهدف مراجعة الخطط العلاجية المتبعة لمرضى السكلر، والتعرف على الخدمات المقدمة لهم وتقييمها والمساعدة في إعداد الخطة المستقبلية لتطوير الخدمات المقدمة،  هذه هي زيارته الثانية وكانت زيارته الأولى بتنظيم وتمويل من الجمعية.

وكان سموه متابعًا لكل البرامج التي تصدر عن هذه اللجنة ومنها إقرار مجلس الوزراء لبرنامج الفحص قبل الزواج وإصدار قانون ينظم البرنامج، ودعم والتكفل بالفحوص مثل فحص المواليد وفحص الحاملين للمرض ونشر الوعي عن هذه الأمراض. كما دعم سموه إنشاء المركز وهو التوصية الأخيرة من توصيات اللجنة الوطنية بكُلفة تصل إلى 5 مليون دينار وميزانية تشغيلية سنوية بحدود المليونين، ويقع ضمن محيط مجمع السلمانية الطبي ويضم أكثر من 90 سريرًا مجهزًا لاستقبال مرضى فقر الدم المنجلي الذي ساهم في تطوير الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية، حتى يكون بمثابة النواة لمركز بحثي وعلاجي متكامل للعناية الشاملة بالمرضى من النواحي المعرفية والنفسية والجسدية والاجتماعية كافة.

كما يعد دعمه  لمؤتمر فقر الدم العالمي ترجمة حقيقية لاهتمام سمو رئيس الوزراء بمرضى "السكلر"، حيث جسدت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر للمؤتمر العالمي لفقر الدم المنجلي "السكلر" والذي استضافته مملكة البحرين خلال الفترة 5 - 7 فبراير 2013 بمشاركة عدد كبير من الخبراء والمستشارين المعروفين عالميًا في مجال السكلر.

وهذا يدل على مدى اهتمام وحرص سموه على الإرتقاء بالخدمات الوقائية والتشخيصية والعلاجية والتأهيلية المقدمة لمرضى السكلر، فقد جاء هذا المؤتمر العالمي كمبادرة نوعية ضمن سلسلة التحركات التي يقودها سموه، لتعزيز السياسات والخطط الوطنية للوقاية ومكافحة الأمراض المعدية وغير المعدية، وترسيخ ونشر أنماط الحياة الصحية بين المواطنين بصفة عامة.

احتضان مملكة البحرين لهذا المؤتمر لها دلالة كبرى فهو الأول من نوعه الذي يعقد في منطقة شرق المتوسط، بالإضافة إلى أنه جاء تنفيذًا لتوجيهات سموه السديدة لوزارة الصحة بإقامة مثل هذا المؤتمر المتخصص الذي يعد ملتقى علمي يجمع متحدثين وخبراء متخصصين في هذا المجال من كل دول العالم. كل هذه الجهود مكنت البحرين من دراسة هذه الأمراض والتعامل معها بطرق علمية مدروسة أسهمت في انخفاض نسبة المواليد المصابين بمرض "السكلر" من 21 في الألف في حقبة الثمانينيات إلى 4 في الألف (2013م)، وإلى 2 في الألف حاليًا.

مجلس الوزراء أصدر مجموعة من القرارات التي تهدف لرعاية المرضى حيث قرر المجلس احتساب الإجازات المرضية لمرضى السكلر والفشل الكلوي ضمن رصيد الإجازات السنوية بعد استنفاد رصيد إجازاتهم المرضية، على أن لا يزيد عدد الأيام المستنفدة عن 30 يوماً، وفي حال تجاوزها يتم احتسابها إجازة بدون راتب. كما قرر المجلس أنه في حال التقاعد المبكر لمرضى «السكلر» بناء على قرار اللجنة الطبية، فإنه يحتسب لمريض السكلر أو الفشل الكلوي 40 % من الراتب الأخير لذوي الحالات الشديدة أياً كانت مدة خدمته المحسوبة في التقاعد أو منحه المعاش المنصوص عليه في المادة (20) من القانون رقم (13) لعام 1975 أيهما أكبر. ولتشجيع توظيف مرضى السكلر والفشل الكلوي في القطاع الخاص فقد قرر مجلس الوزراء أيضاً اعتبار توظيف كل حالة بمثابة حالتين للاستفادة من رفع نسبة البحرنة لدى الشركات أو المؤسسات التي تقوم بتوظفيهم. والتوجيه إلى سرعة الانتهاء من مركز علاج أمراض الدم الوراثية وتجهيزه ليقدم خدمات طبية متكاملة ذات جودة عالية لمرضى السكلر.

ركزت جهود صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء في التصدي لمرض "السكلر" على قاعدة راسخة تُعلي من قيمة الإنسان البحريني بوصفه الثروة الحقيقية للوطن، وهو ما يتجسد في حرص سموه على ملامسة آلام المرضى ومعاناتهم بصفة شخصية.

كان الأمير الراحل شخصية رئيسية لها حضورها المميز في القضايا المحلية والعربية والإقليمية وستظل مدرسة ننهل من علومها الكثير، ستبقى في قلوبنا، وستبقى ذكراك الطيبة في ذاكرة الوطن إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

د. شيخة العريض

رئيس الجمعية الأهلية لأمراض الدم الوراثية في البحرين


pdfmedical