بدأ الإنسان القديم بإنتاج الموسيقى قبل 500 ألف سنة، هذا ما أكدته الدراسات التطورية التي قام بها العالم (روبن دانبار وفريقه – جامعه أكسفورد 2014) بينما تطور الكلام واللغة المنطوقة قبل 200 ألف سنة فقط. وهذه الدراسة أكدت أن الكلام كأداة من أدوات التواصل تطوّرت من طريقة التواصل القديمة الأصلية التي اخترعها أجدادنا القدماء (الموسيقى)، وهذا ما يفسر التداخل الكبير للشبكات العصبية المختصة بالموسيقى واللغة في الدماغ.
-
هذه المعلومات وغيرها تفسر لنا أيضاً سبب تطور القدرات اللغوية للأطفال بشكل ملحوظ للأطفال الذين يدرسون الموسيقى في سن مبكرة (قبل الـ 4 سنوات) ويصبحون لغوياً أفضل من أقرانهم ممن لم يتعرضوا لأي نوع من أنواع التعليم الموسيقي. بل وتتطور عندهم مهارات القراءة والقواعد اللغوية ونطق الأصوات الكلامية مبكراً.
من الممكن أن نستعرض في هذا المجال التجربة الفنلندية الرائدة حيث نرى معدل اللغات التي يتحدثها المواطن الفنلندي العادي تتراوح بين 3 - 5 لغات، وهو المعدل الأعلى في العالم من حيث تحدث اللغات الأجنبية. وأرجع العلماء الذين درسوا (الظاهرة الفنلندية) إلى أن أطفالهم يتعرضون للتعليم الموسيقي في سن مبكرة جداً قبل 4 سنوات، حيث تعتمد مناهجهم بشكل رئيسي على التعليم الموسيقي والكثير الكثير من اللعب الحر للأطفال ما دون سن المدرسة. ويبدأ التعليم الأكاديمي من عمر السادسة أو السابعة.
كما أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يتلقون نوعاً من التعليم الموسيقي بمعدل حصة واحدة أسبوعياً، يتكون عندهم نظام صوتي أفضل (عند تعلم لغة أجنبية) حيث يتقنون نطق الأصوات واللهجات الأجنبية بشكل أفضل من أقرانهم الذين لم يتلقوا أي نوع من التعليم الموسيقي.
كما نُشرت عدد من الأوراق البحثية التي تربط القدرة على تمييز خصائص الصوت (النغمة، والتردد الصوتي، والمدى الصوتي، وغيرها من الخصائص) بالقدرة على تمييز الخصائص غير اللفظية في الكلام (دلائل الصوت المرتفع، الحزين، الصوت الموتر، الصوت السعيد) والقدرة على استيعاب الكلام المسموع وتفسيره بشكل أفضل.
أتمنى أن أرى هذا التوجه بشكل أكبر في رياض الأطفال في المستقبل القريب، ونرجع لتعليم لغتنا الأم (الموسيقى).
بتول خالد مرتضى
اخصائية النطق واللغة