الصُراخ، الضرب، العض Tantrum، تُعد من السُلوكيات العدوانية للمُصابين باضطراب التوحد ومع دخولهم سن المُراهقة تزداد شدة هذه السُلوكيات بسبب هرمونات البُلوغ، وبالتالي تنعكس سلباً على صحة الطفل والحالة النفسية للوالدين والأهل.
إضافة إلى ذلك أن العدوانية تؤثر على قدرات الطفل في التواصل والتفاعل الإجتماعي سواء كان هذا الطفل ناطق أم غير ناطق.
عند حلول السابِعة صباحاً من كل يوم، أرتدي معطفي الأبيض وأكون على أتم الاستعداد لاستقبال أطفالي المُصابين بالتوحُد الشديد من ذوي السُلوك العنيف جداً. قد تدُل جملة (طفل ذو سُلوك عنيف) أن هؤلاء وحش كاسر أو بمثابة أسطورة مخيفة يخشاها الجميع ولكن بالنسبة لي كاخصائية الشعور عكس ذلك تماماً.
سأصطحبكم في جولة حول السلوك العنيف في هذا المقال، السُلوك العنيف يعد من السلوكيات الخطيرة على ذوي التوحد لأنها تُسبب الأذى لأنفسهم ولمن حولهم، خاصةً لدى الطفل غير قادر على الكلام أو لغته غير مفهومة وواضحة.
وتعود أسباب تلك السلوكيات إلى أن الطفل يستخدمها للتعبير عمّا يُريده، فمثلاً عندما يقوم بضرب رأسه بالحائط يعني رفضه لأوامر معينة أو استيائه، أما السبب الآخر أن نوبة الغضب والصراخ وسيلة للبوح عمّا يؤلمه في جسده أو عن جوعه وعطشه.
والسبب الثالث هو في الغالب اضطراب التكامل الحسي (وجود مشكلة حسية)، أي أن الطفل يكره الضوضاء والموسيقى العالية في المجمعات التجارية فيقوم بوضع كلتا يديه على أذنيه ويبدأ بالصراخ الشديد والبُكاء تعبيراً عن انزعاجه، مثال آخر البعض من الأطفال التوحديين حينما يرى الأضواء الشديدة في أماكن الترفيه يقوم بضرب رأسه بالحائط أو بالشخص الذي بجانبه مع الصراخ دلالة على انزعاج عينيه من تلك الأضواء.
ويأتي شرح أسباب تلك السلوكيات غير المرغوب بها لتغيير الفكرة السيئة العامة عند الناس، وإيقاف المُصطلحات الخاطئة التقليدية التي تُطلق عليهم في الأماكن العامة حين يرى البعض هذه السلوكيات (كالجنون، مس الجِن) التي تجرح من مشاعر ذويهم وتُحبطهم، إضافة إلى ذلك عدم الرهبة والخوف منهم.
فعلينا أولاً وأخيراً إظهار المشاعر الإيجابية إزاء تلك السلوكيات، فغالبية الأطفال يلجأون للعنف بسبب رفضهم تنفيذ أوامر معينة وهنا يتوجب غزل خيوط الصبر والتحمل بعضها ببعض للتماسك وضبط النفس أمام الطفل، فالعلاقة طردية أثناء حدوث السُلوك، ما إن أظهر وجهك تعابير الغضب واليأس وعدم القدرة على السيطرة إزدادت شدة السلوك العدواني.
ثانياً، التأديب ويجب أن يكون متناسب مع السلوك، فمثلاً في حال أظهر الطفل سلوك الغصب وتوجه نحوك بالضرب، فالعقاب يكون هو الحرمان من الشيء الذي يُحبه (كالتلفاز أو لعبة معينة).
ونأتي للحديث حول استراتيجيات التعامل مع التصرفات العدوانية:
- توفير بيئة روتينية بنظام ثابت لأن الأغلبية من الأطفال لا يتقبلون التغيير المُفاجئ للروتين.
- علاج اضطراب التكامل الحسي وذلك عن طريق بيئة حسية مناسبة لرغبة الطفل وإبعاد المُشوشات والأصوات الصخبة.
- للأطفال غير الناطقين يجب توفير الدلائل البصرية لهم (الصور التعبيرية) التي تساعدهم في التواصل (كصور للطعام، النوم، الحمام، المعززات)، فعند حدوث السلوك العنيف يساعد كتاب الـ PECS وهو نظام Picture Exchange Communication system
على فهم ما يريده منك الطفل وبالتالي يساعد على تهدئة غضبه.
- ممارسة الرياضة (كالسباحة وركوب الخيل) والتمارين الفيزيائية التي تمتص الطاقة السلبية وتحد من استمرارية السلوك العنيف.
- قبل محاولة تعديل أي سلوك عدواني للطفل يجب أن تسأل لماذا حدث هذه السلوك؟ فحينما تساعد الطفل على الحصول على احتياجاته ستكون ردة فعله العدوانية أقل بكثير.
- التعاون المشترك بين اخصائي تعديل السلوك والوالدين وإتباع الخطة العلاجية المُعدة من قبل المُعالج بشكل دقيق للحد من زيادة حدة السلوك غير المرغوب فيه وإيقاف حدوثه قدر الإمكان.
ختاماً، عندما تطوق الطفل ذو التوحد في دائرة الإحتواء وتمنحه الحُب الشديد وقبل كل هذا التقبُل والتحلي بالصبر عند ضبط السلوكيات العنيفة ستحد من حدوثها بكل تأكيد، فالحُب علاج فعّال للتوحد والشعور بالأمان وإحتضان الأطفال له بالغ الأثر في نفسية الطفل وتصرفاته، لفتة رائعة عزيزي القارئ قبل أن أختم جولتي معك، كتاب جميل أنصح بقرائته وهو (تجربتي مع التوحد) لوالدة الشاب التوحدي (يوسف) الأستاذة نجاة حسن جاسم والكاتب محمد الجمعة فهو دليل لعلاج السلوك وبصيص من الأمل يمطر على قلوب الأمهات المتعبة شآبيب من الأمل والقوة.
زهراء داوود
محلل سلوك