تطورت النظريات النفسية في تفسيرها لأسباب الاضطرابات، وقطعت شوطًا كبيرًا في استخدامها للتقنيات العلاجية الفعّالة التي تعتمد على البرهان العلمي.
وقد بُذِلت جهود بالغة من المختصين في علم النفس لجعل العلاج النفسي أكثر مواكبة للتطورات أسوة بغيرهم من المختصين في التخصصات المختلفة، وكان لابد من استثمار التكنولوجيا الحديثة في العلاج النفسي وتقديم الخدمات النفسية بشكل عام.
أول الطرق التكنولوجية التي استخدمت في العلاج النفسي كانت بواسطة أشرطة الفيديو التي استخدمت بهدف التدريب وتقييم البرامج العلاجية في البداية، ثم تم تطبيق التغذية الراجعة عن طريق أشرطة الفيديو من خلال مشاهدة المعالج والمريض للجلسة العلاجية فردية كانت أم جمعية بغرض تعديل سلوك مرضى القلق ومن لديهم سلوكيات عدوانية أيضًا.
ولقد أتاحت للمريض مشاهدة تعبيراته اللفظية وغير اللفظية، مما انعكس على زيادة استبصاره وخفض مقاومته، كما أنها أقل تكلفة مقارنة بالعلاج التقليدي وأسرع في الوصول إليها، والأهم منذ ذلك كله أنها تقدم قياسًا قبليًا وبعديًا كمؤشر دقيق لقياس تحسن الأعراض.
ورغم ذلك وثَّق الباحثون والخبراء مجموعة من نقاط الضعف أبرزها أنه غير ملائم لمرضى الذهان ومرضى الاكتئاب الذهاني، كما أن وقت عرض الفيديو غير المناسب، والأسلوب الخاطئ في العرض قد يؤثران كذلك في جودته، بالإضافة إلى أن تلك الطريقة قد تثير خوفًا عند بعض المرضى فتؤثر تأثيرًا سلبيًا في أدائهم مما يجعلهم يتصرفون بشكل غير تلقائي، فيفقد التسجيل قيمته.
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي انبثقت طرق تكنولوجية أخرى تهدف لتقديم الاستشارات النفسية والعلاج النفسي، واستخدمت بشكل رئيس لعلاج الرهاب والاكتئاب، بالإضافة إلى برامج الإقلاع عن التدخين وإدارة الغضب، ثم تطورت لاحقًا واستخدمت مع اضطرابات ومشكلات أخرى.
لقد ساعدت هذه الطرق من لا يستطيعون الذهاب لطلب المساعدة أو العلاج إما لدراسة أو عمل أو أي ظرف آخر، لذا فهي طريقة مرنة وغير مقيدة ، كما أنها أقل كلفة، بالإضافة إلى أنها تصل لجميع الشرائح والفئات، وتخدم من لا يريدون الإفصاح عن هوياتهم.
ورغم ما ذكر لها من محاسن إلا أنه يُعاب عليها أنها قد تكون جامدة فلا يستطيع المعالج ملاحظة التعبيرات الانفعالية والتعبيرات غير اللفظية للمريض أو طالب الاستشارة، وخاصة عندما تقدم هذه الخدمات عن طريق البريد الإلكتروني.
وتتمثل مشكلاتها الأخرى في القرصنة والفيروسات وحفظ البيانات، بالإضافة إلى صعوبات التعامل في حالات التهديد بالانتحار، والمشكلة الكبرى تتعلق بسرية معلومات المريض.
ولاشك أن العلاج عن طريق مقابلة المريض وجهًا لوجه وبشكل مباشر أفضل بكثير وتغطي جوانب النقص، إلا أننا لا نستطيع أن نغض الطرف عن أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت لاعبًا رئيسًا في كل منزل، وعلى المختص الماهر أن يطور نفسه وأن يدخل هذا النوع من العلاج كأحد أهم برامجه، من أجل أن يعيش الحداثة في المساعدة وتقديم الخدمات النفسية.
حسين محمد علي آل ناصر
ماجستير علم النفس الإكلينيكي
المملكة العربية السعودية