قلوبهم زجاجية ترفق بهم ..

لهم قلوبهم زجاجية هشة تفيض بالخوف، بالفرح، بالحب بل بأكثر من ذلك، لطالما اختبأت قلوبهم خلف معاطفهم، نراها حصن منيع، درع قوة، سد لا يمكن اختراقه؛ وفي الحقيقة لهم قلب طفل صغير يشيح بعينيه حتى يخفي ضعفه عن من حوله..

طبيبك..

يمثل القوة، يشحذ طاقته، يشد من عزم نفسه حتى يستجمع شتاته ويمضي بابتسامه نحو العمل..

هو في مقتبل الأمل، قد يكون أمضى يوماً متعباً قبل أن يبدأ مناوبته التي تحتم عليه مساعدتك بغض النظر عن أي ظروف قاسية قد يمر بها..

 

طبيبك..

كان يرعى والده المصاب بالشلل أثر جلطة دماغية جعلته حبيس الفراش، فما كان من ابنه (الطبيب) إلا أن يطلب الجنة ببره لوالده ورعايته، هو يحتاج للمساعدة لكنه لم يتردد في الحضور للعمل لمساعدتك..

 طبيبك..

قد تلقى خبر وفاة أحد أقرباءه في رحلة علاجه في الخارج، اللوم يفتت قلبه، لم يستطع رغم علمه أن يمنع القدر، حال السفر بينه وبين لحظة الوداع الأخيرة، رغم حزنه؛ هو معك يخفف من حزنك..

 طبيبك ..

ينتظر نتيجة القبول في التخصص الذي طالما تمنى الالتحاق به لخدمتك، حيرة، خوف، توتر، قلق، ضعف؛ ولحكمة ربانية لم يتم قبوله، رغم غضبه وإحباطه يبتسم لك..

 طبيبك..

فشل للتو في إعادة مريض توقف قلبه عن الحياة بعد أن استنفذ كل طاقته وعلمه ولكن (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) سورة الأعراف آية (34)، رغم سلبية الموقف، يواصل العمل بدون توقف حتى يستطيع مساعدتك..

 طبيبك..

اكتشف أن والدته المصابة بالسرطان قد لا تنجو منه بعد أن استولى المرض على جسدها، لا يعلم كيف يخبرها بذلك، رغم حاجته لمواساة نفسه وعائلته هو يقف الآن بجانبك.. 

 طبيبك ..

يعاني من صداع شديد، لم يتناول غداءه حتى الآن، تفوته الصلاة، يفتقد عائلته وهو غارق في خدمتك..

 

قابل طبيبك بابتسامة، قابل إنسانيته بالشكر، قابل سعيه للمساعدة بالدعاء..

 

قلوب الأطباء زجاجية رقيقة وأرواحهم مرهقة.. ترفق بهم

ضغوطات قاسية تلك التي يضطرون للتعامل معها ومشاهد دامية تلك التي تراها أعينهم.. ترفق بهم

يلامسون الموت في كل لحظة ويرافقهم السهر والتفكير.. ترفق بهم!

تغربوا عن أوطانهم وأهليهم.. ترفق بهم !

أمضوا شبابهم في الدراسة والعمل.. ترفق بهم!

 

ترفق بهم فأنت أهل لذلك لأنك ذو خلق وأدب، لأن الرقي هو أسلوبك والتمس لهم العذر لأنهم بشر..

 شكراً لكل طبيب تفانى في عمله وأخلص فيه، أنتم رغم طفولة قلوبكم الحضن الآمن لمن أضناه المرض، فكونوا عند حسن ظن كل من وثق بالشفاء على أيديكم..

 

د.  شيخة الجودر

طبيب مقيم أول طب الطوارىء

ماجيستير في الادارة ورخصة ممارسة الادارة الطبية الدولية