من الشائع أن تصاحب الإضطرابات النفسية مرضى السرطان، فقد أثبتت الدراسات أن 47 % منهم سيعانون من أعراض نفسية قابلة للتشخيص، ويعد الاكتئاب الاكلينيكي من أكثر الأمراض شيوعًا بينهم، فالاحصاءات تقدر أن 1 من كل 4 مرضى مصابين بأورام سرطانية سيعاني منه على أقل تقدير.
على الرغم من شيوع الاكتئاب بينهم لكن قلما يشخص، وقلما يحصلون على المساعدة . وذلك لـ:
- الإعتقاد الخاطىء لدى الكثيرين بأن الاكتئاب محصلة حتمية وأمر طبيعي نظرًا للظروف التي مر بها أو سيمر بها المريض أثناء رحلته في علاج مرض السرطان.
- الصعوبة في التشخيص لغير المختصين في هذا المجال نظرًا للشبه الكبير بين أعراض الاكتئاب وبعض أعراض مرض السرطان نفسه من جهة والآثار الجانبية لعلاجات السرطان من جهة أخرى.
- إنكار المريض أحيانا لأعراض الاكتئاب، وذلك غالبًا لإرضاء من حوله، أو لضغط المجتمع بتسويق فكرة أن مريض السرطان يجب أن يكون محاربًا قويًا ويجابه جميع الظروف بنفسية إيجابية وأي شيء غير ذلك يعتبر نوع من ضعف الشخصية أو قلة في الإيمان.
- اعتقاد بعض أهالي المرضى وأطبائهم (أو بالأحرى تمنيهم) بأن الاكتئاب سيزول ببضع كلمات تشجيعية ونصائح عامة، إلا أنهم قد يتسببوا بسوء نفسية المريض أكثر من ذي قبل من غير قصد.
على نفس الصعيد، أثبتت الأبحاث وجود خلل في هرمونات المستقبلات العصبية في الدماغ عند مرضى الاكتئاب وخصوصًا المصاب منهم بالسرطان، وتستمر قابلية المريض للإصابة بذلك حتى بعد شفائه تمامًا من الورم السرطاني لمدة تصل إلى 10 سنوات، مما يشكل حيرة أحيانًا لأهل المريض وأطبائه عن سبب اكتئابه إذا تعرض له في هذه المرحلة.
مريض السرطان المصاب بالاكتئاب لن يتمكن من التعاون مع الفريق العلاجي بالشكل المطلوب، إذ أنه ضعيف التركيز عند وصف الخطة العلاجية ومتردد في أخذ القرارت، وكثيرًا ما يكون فاقدًا للأمل وقد يختار نظرًا لذلك عدم علاج السرطان حتى على الرغم من كونه قابل للعلاج في حالته.
من ناحية أخرى تنخفض جودة حياة المريض ويكون بين مطرقة السرطان من جهة وسندان الإكتئاب من جهة أخرى. ومما لا شك فيه أنه من غير العادل أن يمر الشخص بكل هذه المعاناة غير المبررة والعلاج النفسي متوفر وآمن.
لكل ذلك دشنت الشبكة الوطنية الأمريكية للسرطان استبيان بسيط يسمى "مقياس الكدر" وأوصت جميع مراكز الأورام بضرورة استخدامه وذلك لتحويل جميع المرضى الذين يقيمون الضغوط عليهم بأربعة من عشرة أو أكثر إلى فريق الطب النفسي لمرضى الأورام والذي يقودهم بالعادة الاستشاري النفسي لمرضى الأورام للقيام بالتشخيص الصحيح للمريض والعمل على مساعدته.
فلمريض السرطان المصاب بالاكتئاب خصوصية في نوعية العلاجات النفسية التي تناسبه وجرعاتها مع الأخذ في عين الاعتبار التداخل الممكن بين الأدوية مما يجعل العلاج آمنا على يد المختصين.
د. حسن فضل
استشاري طب النفس الجسدي للبالغين وطب نفس الأورام