الأخلاقيات الطبية في زمن الأوبئة.... د. أحمد بن سعيد البوسعيدي

كما قيل أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى ودرهم وقاية خير من قنطار علاج ولا شك أنه عندما يصاب الإنسان بالمرض فإن أول ما يلجأ إليه بعد الله عزوجل هو مساعدة الطبيب ومن يعاونه من أجل تخفيف الألم واستعادة حياته الطبيعية.

تمر المجتمعات بفاشيات بين الفترة والأخرى تربك المجتمعات وسير عمل الخدمات الصحية المعتاد بسبب حاجة مجموعة كبيرة من أفراد المجتمع لتلقي العلاج بصورة سريعة، وقد شهدنا في العقود الأخيرة ما فعلته فاشيات أنفلونزا الطيور والخنازير ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية وغيرها من إخلال كبير في سير عمل الحياة الطبيعية وها نحن اليوم في مواجهة فاشية مشابهة (كوفيد-19) وربما تكون أخطر من سابقاتها فالوقت ما زال مبكرًا في تحديد حجم المخاطر المترتبة على هذا الانتشار السريع لهذا الفيروس في مختلف دول العالم.

ولا ريب أن الشيء الوحيد الذي ينبئ بنجاحنا في احتواء هذه الفاشية هو ليس قوة الخدمات الصحية  فحسب وإنما مدى تعاون وتضامن وتكاتف جميع أفراد المجتمع سواء المتلقين للخدمة الصحية أو مقدميها من مختلف الفئات وكذلك تعاون كافة مؤسسات المجتمع الأهلية والحكومية والخاصة.

إن هذا النوع من التضامن المجتمعي لا يمكن ضبطه بالقانون وإنما يجب أن يلتزم به الجميع كواجب أخلاقي ووطني قبل كل شيء. فعلى مستوى أفراد المجتمع وعندما تزيد حالات الحجر المنزلي لا يمكن لأي قانون في العالم مراقبة التزام كل المحجورين بالتعليمات الخاصة بمنع انتشار المرض، وإنما يكون التزامهم أخلاقياً من أجل منع الضرر عن الآخرين بعدم تعريضهم لخطر انتقال هذا الفيروس وكذلك الأمر حين يطلب منهم الإفصاح عن كافة المعلومات ذات العلاقة بما فيها تنقلهم بين مختلف الأماكن وتفاصيل الأشخاص الذين تواصلوا معهم فكل هذه المعلومات الهامة للتقصي الوبائي هي في ذهن الشخص المصاب أو المحتمل اصابته ومن الصعب معرفتها بالقانون إذا لم يدلِ بها من تلقاء نفسه وقس على ذلك الالتزام بكافة التعليمات الخاصة بالشخص المصاب أو المحتمل اصابته بالمرض.

في زمن الأوبئة يعد مقدمو الرعاية الصحية هم المنقذ بعد الله عزوجل لهؤلاء المرضى الذين أصبح الاقتراب منهم يشكل خطرًا على حياة الشخص بسبب إمكانية انتقال العدوى له فحتى أقرب الأقربين لا يمكنهم الاقتراب منهم خوفًا على حياتهم. وعندما يزيد عدد الحالات التي تحتاج إلى رعاية صحية وتكون هذه الزيادة فوق القدرة الاستيعابية للمؤسسات الصحية التي عادة ما تعاني من نقص في الكوادر البشرية في ظروفها الطبيعية يبرز دور أبطال مقدمي الرعاية الصحية في تصديهم لهذه الحالات وتعريض أنفسهم للخطر من أجل إنقاذ حياة البشر وتخفيف آلامهم.

يدرك مقدمو الرعاية الصحية أنهم إذا ما تأخروا عن واجبهم النبيل لأي سبب كان في هذه المحنة فهذا يعني فقد مزيد من أرواح البشر، لذلك التزامهم الأخلاقي من أجل المريض يجعلهم يعملون دون كلل أو ملل غير ناظرين لوقت بدء أو انتهاء العمل ولا هي أي يوم في الأسبوع فيصبح عندهم الليل والنهار ويوم السبت والأحد سواء، يتركون منازلهم وأطفالهم في حفظ ربهم ولا يعودون لها إلا لاستراحة مقاتل ليستأنفوا بعدها معركة جديدة مع المرض تاركين كل ما يمكن أن يأخذهم بعيدًا عن مرضاهم الذين ينتظرونهم بفارغ الصبر ليخففوا عنهم معاناتهم مع المرض.

إن ما يقوم به هؤلاء الأبطال في زمن الأوبئة لا يعرفه أو يمكن أن ينظمه أي قانون وإنما دافعهم له بعد رضا الله عزوجل هو التزامهم الأخلاقي ورغبتهم في إنقاذ النفس البشرية التي درسوا وأقسموا برب السماء على بذل ما بوسعهم لإنقاذها فلهم منا جميعا كل الاحترام والتقدير. حفظ الله الجميع من كل الأمراض وشر الأوبئة.

 

د. أحمد بن سعيد البوسعيدي

استشاري طب الأسرة

سلطنة عمان