ألمه... ألمها! .... د.يوسف بن علي الملا

ربما لم تنسَ ولن تنسى أبدًا المرة الأولى التي يستسلم فيها الطبيب: عندما يخبرك أنهم لا يعرف ماذا يفعل، بل وليس لديه المزيد من الفحوصات للقيام بها، ولم يعد هنالك علاجات لتقديمها "لقد أصبحت وحدك". حدث هذا لك أو لشخص قريب منك، ويحدث لكثيرين آخرين يعانون من آلام مزمنة!

ولعلك أيضًا عشت ذلك الشعور، عند ما طعنك الألم في جانب معين من جسمك. أعقب ذلك حاجة لأخذ مسكن، ومن ثم شعرت بتحسن، ومع ذلك فبمرور الساعات، تحول الألم إلى كابوس مستمر، كما لو كنت في حلم سيئ، لم يحدث ذلك المهدئ أي فرق. وها أنت تمضي ليلة من الأرق المهلوس ممدودًا على سريرك، في محاولة يائسة لإيقاف ذلك المنبه الجسدي.

وها أنت عند طبيب الرعاية الأولية الخاص بك- مشكوراً - ويذكر لك احتمالية اصابتك بداء معين. ويتم طلب بعض الاختبارات لك، ولكنها جاءت سلبية - بمعنى لم يتحدد التشخيص للآن - لقد شعرت كمريض بالتأكيد أن هناك شيئا ما خطأ، لكن الطبيب لم يجد أي إصابة أوالتهابًا محددًا! ما تبع ذلك كان سنوات من الاستشارات غير المثمرة، وكان آخرها وصفًا - ربما - لألم الحوض المزمن - وهو ما يعني أنه لا يفسر سوى القليل جدا - وتوقعات غير مشجعة. الحالة غير مفهومة جيدًا ولا يوجد علاج موثوق. فيعيش ذلك المريض مع همهمة الألم وكصدى ضوضائي - إن استطعت القول -، ونوبات وراء نوبات تقضي على النوم من وقت لآخر. فما الذي يمكن قوله حقيقة أكثرعن ضرر الشعور بالألم؟!

من ناحية أخرى، نعي جميعًا أن ذلك الألم الجسدي له يمثل جزءا من الجسم، تعرض للتلف أو الخطر، بل ويمكن أن يكون الألم خادعًا، فيوصف بصفات وبكلمات متعددة، كالنبض والحرق! وواقعيًا ذلك الألم ينبهنا بأن الجسد في ضائقة، ويساعدنا في التركيز عليه، ويساعدنا على فهم سبب ضرره بشكل أفضل. لذلك - ومن منظور فلسفي - أظن بأن الألم ليس سيئا في حد ذاته، فهو بحق يعيق وصول المرء إلى أي شيء جيد. ومع ذلك، من لا يريد فرحة التحرر من الألم!

الأدهى من ذلك، أنه عندما تشتكي من الألم - خصوصًا المزمن - ، فلا يمكن تجاهله، ويبدو أنه كان موجودًا إلى الأبد، فالمريض نفسيًا يدرك بأعماقه أنه لن يختفي أبدًا. فكيف بتلك المعاناة المزمنة، ألا تعتقد معي أنه قد نسي ربما ذلك الماضي غير المؤلم؟ وهذا صدقًا يقودني إلى استخلاص نقطة مهمة بحياتها وهي: أننا يجب أن نركز على الحاضر، وليس على ما سيأتي في المستقبل. فإذا كنت تستطيع معالجة الألم كسلسلة من الحلقات المستقلة، يمكنك تقليل قوتها. ويمكنك أيضا الاستمتاع بيوم جيد وأنت تعاني من آلام الحوض – مثلًا - ، فالحياة مجرد يوم واحد تلو الآخر.

ختامًا، نلاحظ كثيرًا وربما يدرك الكثير منا ذلك وللأسف بأن الألم لم يعد قابلًا للمشاركة بمرور الوقت. وبينما نجسر الهوة بين الحين والآخر لنتعاطف مع أنفسنا في أوقات أخرى، فإننا يجب أن نتعاطف أيضًا مع معاناة الآخرين. وبشكل ما فالتعاطف مع الذات ليس هو نفسه التعاطف مع الآخرين، لكنهم ليسوا مختلفين كما يبدون. هناك عزاء في التضامن - من ديننا وأخلاقنا وثقافتنا -، في مشاركة تجربة الألم المزمن، في قوة الرحمة لكسر الحدود التي تفصلنا عن الآخرين، وعن أنفسنا!

 

 

د.يوسف بن علي الملا

طبيب- مبتكر وكاتب طبي.

سلطنة عمان