تلعب النظافة دورًا محوريًا في سلامة الغذاء، وإذا جاز لنا أن نقول إنها هي السلامة بجميع أبعادها، وتبدأ هذه السلامة من نظافة المواد الأولية وخلوها من الملوثات سواء منها الفيزيائية أو الكيميائية أو الميكربيولوجية، وهذا مظلة عامة لما نطلق عليه النظافة.
والنظافة سلسلة متصلة يجب أن لا تنقطع أيٌ من حلقاتها وإلا وقع ما لم يكن مرغوبًا وربما تسبب هذا الانقطاع في كارثة صحية كحدوث التسممات الغذائية، فليس هناك معنى لمواد أولية سليمة يتم تحضيرها على أسطح ملوثة، أو توفير أسطح نظيفة معقمة بينما لا يتمتع متناولو الأغذية بالنظافة أو يكترثون لها، أو يعرفون أبجدياتها؛ فأي تلوث للغذاء في أي مرحلة من مراحل إنتاجه أو تحضيره أو إعداده أو حفظه هو مما تعمل الأجهزة الرقابية المعنية بسلامة الأغذية على "محاربته" بالتعاون مع أصحاب المنشآت التي تقوم بتحضير وإعداد وتقديم الأغذية.
ومن هنا يجب التركيز على ما يسمى "التلوث العرضي" أو التبادلي، وهو التلوث الذي يتعرض له الغذاء جراء ملامسة عاملين غير نظيفين، أو أسطح أو معدات ملوثة أو غيرها.
ولتحقيق الغرض المنشود تحث الأجهزة الرقابية أصحاب الأعمال، وتقوم بتدريب موظفيهم على الأمور التي تضمن نظافة الغذاء الذي ينتجونه، وذلك عن طريق التركيز على النظافة التي يعتبر العامل وتصرفاته داخل منطقة التحضير والإعداد هو اللاعب الأساسي فيها.
ويتم التركيز على غسل الأيدي باستمرار بعد استعمال المرافق الصحية، تقليم الأظافر، التدخين، استخدام المشط في تسريح الشعر وغيرها من الممارسات التي تلوث أيدي العاملين، وربما يقوم بعضهم غير مبالٍ أو مكترث بالعودة إلى العمل دون مراعاة غسل يديه فيمكن أن يتسبب إهماله في تلوث الغذاء!
ولتحقيق هذا الغرض يقوم المفتشون والمثقفون في أجهزة الجهات الرقابية المعنية بسلامة الغذاء حول العالم بتدريب العاملين على أسس النظافة الشخصية، والطريقة الصحيحة لغسل الأيدي لما لها من تأثير مباشر في سلامة الغذاء.
وتلعب الأسطح دورًا لا يستهان به في سلامة الغذاء، ومن شأنها أن تتسبب في التسممات الغذائية خصوصا حين يتم تقطيع الخضار التي لا يتم طبخها على أسطح تستخدم لتقطيع اللحوم النيئة، مما يضاعف فرص حدوث التلوث العرضي أو التبادلي أو التلامسي كما يرد في المصادر التي تعنى بسلامة الغذاء.
وتلعب المعدات التي تتم الاستعانة بها في حفظ المواد الأولية أو طبخها أو إعدادها أو تحضيرها دورًا مهما في التلوث التبادلي فيجب أن تكون مغسولة بشكل جيد يضمن تطهيرها من جميع أنواع الملوثات، فلا يجب أن يتم استخدام السكاكين التي يتم بها تقطيع اللحوم النيئة في تقطيع الخضار المجهزة لإعداد السلطة مثلا، فالسكين لاعبٌ خطيرٌ في نقل الميكروبات عن طريق التلوث التبادلي، ويجب أخذ الحيطة والحذر في استعمالها بحيث يتم تنظيفها بالصابون جيدًا.
ويلعب فصل الأغذية النيئة عن المطبوخة دورًا مهما في سلامتها، كما يجب أن تتم تغطية الأغذية المخزنة تجنبًا لتلوثها عن طريق الذباب أو الحشرات الناقلة للأمراض.
مما سبق يجدر بنا أن نركز على النظافة كمفهوم متخصص، وليست النظافة بمنظورها الضيق؛ فالنظافة المطلوبة في منشآت إعداد الأطعمة هي مظلة واسعة تبدأ من المواد الأولية، ولا تنتهي عند تجهيز الطعام للاستهلاك!
ولا يفوتنا أن نذكر أن ما يجب فعله من حفاظ على النظافة في منشآت تحضير الأطعمة ينسحب على مطابخ المنازل، ويجب أن يتخذ الناس أقصى درجات الحيطة والحذر في الحفاظ على النظافة في مطابخهم كي لا يتسببوا بقصد أو غير قصد في تلويث الأطعمة التي يتناولونها، وبالتالي يتسببون في إحداث مشاكل صحية لهم ولأهليهم، ربما لا تكون نتيجتها التسمم الغذائي البسيط فقط.
ولا نبالغ إذا قلنا إن النظافة هي مفتاح الصحة، وهي التي – إن تمت مراعاة شروطها – سيكون الطعام الذي نأكله سليمًا خاليًا من الملوثات التي تتسبب في حالات مرضية ربما تكون خطيرة، ونكون إن أهملنا هذه الشروط متسببين في معاناة ذوينا وأنفسنا لا سمح الله.
لبيب الشهابي
مختص في السلامة الغذائية